عذرا لزوجتى ولسيدات النوبة !!

عشت سنوات الطفولة في قريتي أرمنا وقتها لم أدرك ان ما تلتقطه عيناي ستكون محفورة في الذهن الى ان وصلت لمرحلة الخمسينيات من العمر ولم ادري ايضا ان الجوانب الإنسانية سوف تحاصرني لتلك الدرجة الكبيرة حيث ادركت منذ فترة شبابي بميلي الشديد للدراسات النفسية والإجتماعية واعتقد اننى حينما تخصصت في مجال الصحافة لم ابعد كثيرا عن العلوم النفسية في شئ
المهم ياجماعة الخير سبب المقدمة الطويلة العريضة وانا في غفلة من الزمن الجميل الذي عشته في قريتي تذكرت فجأة سيدة فاضلة رحمة الله عليها وعلى اموات المسلمين كنت اكن لها بكل الحب والتقدير على انسانيتها واصالتها نحو زوجها المشلول والله يرحمه والذي لم يك يقوى طيلة مرضه حتى ان يتوجه الى الحمام ليقضي حاجته فكانت زوجته الست "ضحية"أو كما كنا نطلق عليها بالنوبية " دهية " تتولى امور زوجها المسن العم "برايه" المشهد بجد مؤثر جدا للغاية فالست ضحية التي كانت تربطنى بها علاقة قرابة شديدة كانت امية وبالكاد كانت تنطق كلمتين بالعربي وبصعوبة شديدة
هذه المرأة عاصرتها في آواخر سنوات عمرهما هي وزوجها والذي كان يعمل مزارعا في النوبة القديمة ورأيته قبل التهجير وهو يروى زراعته ويجر ساقيته وعندما تم التهجير لم يقوى الرجل على فراق نوبتنا الحبيبة لدرجة ان شلت حركته تماما واصبح عالة على زوجته وابنه الكابتن رجب برايه وكان لاعب كرة قدم معروف عنه في التهجير في فترة الستينيات من القرن الماضي
المهم أن الست ضحيه ساندت زوجها الكهل نحيل الجسم ببرنامج يومى من بين ما أتذكره كانت تقوم بإطعامه الـ3وجبات في اليوم وكأنه طفل صغير.
كما كانت تعد له جلسة خارج المنزل ليقضي ساعات النهار في فصل الشتاء والشئ الذي لم افهمه الى يومى هذا لماذا شيدت له سورا صغيرا في مكان جلسته المفضلة هل ليسند ظهره عليه ام لسيتظل تحته حينما تشتد عليه حرارة الشمس
ومن مهام الست ضحية ايضا انها كانت تقوم بمساعدته لقضاء حاجته بطريقة قد تستغربون بشده مما كانت تفعلة سيدة مثلها إذ كانت تحمل زوجها وتضعه بين رجليها بعدما تحفر تحت قدميها حفرةليقضي فيها حاجته!!
تخيلوا معى هذا الموقف ثم تقوم بتنظيفه وتعيده الى مكانه سواء داخل المنزل أو خارجه هذا ما إلتقطته عيناي الصغيرتين وان لازلت إبن العاشرة ولازالت هذه الصورة محفورة في ذهنى للآن
والسؤال الذي اود ان تجيبونى عليه هل بقى في النوبة امثال الست ضحية ؟ قبل ان تجيبونى اصدقكم القول وانا متخيلا نفسي لو وصل بي الحال الى ما وصل اليه المرحوم براية هل من الممكن ان تتقمص زوجتى أم محمود دور الست ضحيه وتتولى أمورى كما هي مع زوجها العم براية ؟ معلهش يا أم محمود انا بصراحة اشك في ان تفعلي ذلك .. عفوا ليس هذا انتقاصا من إخلاص زوجتى لي أو إنتقاصا من إخلاص سيدات النوبة تجاه ازواجهم ولكن يقيني ان زمن الست ضحية كان زمنا جميلا للغاية وعذرا لزوجتى ولكل سيدات النوبة